الجمعة 6 يونيو 2025 12:52 صـ 9 ذو الحجة 1446 هـ
قضية رأي عام
رئيس مجلس الإدارة هشام ابراهيم رئيس التحرير محمد صلاح
×

الدكتور مصطفى المحمدي يكتب.. مخاطر التناول العشوائي لأعشاب ”صيدليات الرصيف” وتأثيرها على الصحة العامة والقلب والأوعية الدموية

الأربعاء 4 يونيو 2025 09:43 صـ 7 ذو الحجة 1446 هـ
الدكتور مصطفى المحمدي
الدكتور مصطفى المحمدي

تُعتبر الأعشاب الطبيعية علاجًا شائعًا في العديد من الثقافات، حيث يلجأ كثيرون لاستخدامها في معالجة مشكلات صحية متنوعة، انطلاقًا من اعتقاد راسخ بأنها أكثر أمانًا وأقل ضررًا من الأدوية الكيميائية. إلا أن الواقع يشير إلى أن تناول الأعشاب بشكل عشوائي ودون إشراف طبي يُمثل تهديدًا خطيرًا للصحة العامة، لا سيما عندما يتم الحصول على هذه الأعشاب من مصادر غير رسمية كـ"صيدليات الرصيف" المنتشرة عند العطارين والباعة المتجولين. هذه الأعشاب تُباع دون أي رقابة صحية أو تحليل جودة، مما يعرض المستهلكين لمخاطر صحية جسيمة، خاصة على القلب والأوعية الدموية.
وفي ظل التوسع اللافت في الاعتماد على الأعشاب كعلاج بديل، تزداد خطورة ظاهرة التناول العشوائي لأعشاب تُباع في الأسواق الشعبية، والتي يتم استهلاكها بناءً على معتقدات شعبية أو وصفات تقليدية، دون الرجوع لأي إشراف طبي أو تحاليل مخبرية. ورغم قناعة بعض الناس بأنها أكثر "طبيعية" من الأدوية الكيميائية، إلا أن غياب الرقابة على زراعتها وتحضيرها وتخزينها يجعلها بيئة خصبة للمخاطر، خصوصًا عندما تُستخدم بشكل عشوائي في علاج مشكلات تخص القلب والدورة الدموية.
تكمن الخطورة الأكبر في غياب الرقابة والاختبار؛ فهذه الأعشاب غالبًا ما تكون ملوثة ببقايا مبيدات حشرية أو فطرية نتيجة الزراعة دون معالجة كافية. كما قد تمتص النباتات معادن ثقيلة مثل الرصاص والزئبق والكادميوم من التربة أو من مياه ري ملوثة. ولا يتوقف التهديد عند التلوث الزراعي فقط، بل يتسع ليشمل المواد الكيميائية التي قد تلامس الأعشاب أثناء التخزين، إضافة إلى احتمالية نمو البكتيريا والفطريات في ظل ظروف غير صحية، مما يعزز من احتمالات التسمم أو الإصابة بأمراض مزمنة. كما أن بعض الأعشاب يتم خلطها عمدًا بأعشاب أخرى أقل جودة أو مجهولة المصدر، ما يزيد من مخاطرها الصحية.
وتشمل أبرز الأضرار الصحية الناتجة عن تناول الأعشاب دون إشراف طبي، التفاعلات التحسسية التي قد تتراوح ما بين طفح جلدي خفيف إلى صدمة تحسسية مهددة للحياة. كما قد تؤدي الجرعات الزائدة أو المركبات السامة في بعض الأعشاب إلى حالات تسمم حاد أو مزمن. ومن الأضرار الشائعة أيضًا، التداخلات الدوائية الخطيرة التي قد تُضعف فاعلية بعض الأدوية أو تزيد من آثارها الجانبية، مما يُعرض المريض لمضاعفات صحية خطيرة أو حتى الوفاة في بعض الحالات. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاعتماد على الأعشاب دون متابعة طبية إلى تأخير تشخيص الأمراض أو تفاقمها بصمت.
وتتفاقم الخطورة عندما تتأثر صحة القلب مباشرة، إذ تحتوي بعض الأعشاب على مركبات يمكن أن تُحدث تغيرات حادة في ضغط الدم، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، مما يعرض المرضى لخطر الإغماء أو السكتة الدماغية. كما تؤثر بعض الأعشاب على نظم القلب أو التوصيل الكهربائي فيه، ما يؤدي إلى اضطرابات خطيرة في ضربات القلب. وتتفاعل بعض الأعشاب سلبًا مع أدوية القلب مثل مضادات التجلط، مما يزيد خطر النزيف أو يضعف من تأثير الدواء. وقد تؤدي تأثيرات هذه الأعشاب كذلك إلى تصلب الشرايين أو إضعاف جدران الأوعية الدموية.
ومن الأعشاب الشائعة التي تُظهر تأثيرات سلبية واضحة عند استخدامها بشكل غير منضبط:
• الحلبة: رغم فوائدها، إلا أنها قد تؤثر على ضغط الدم ونظم القلب عند تناولها بكميات كبيرة.
• الجنكة: تزيد من خطر النزيف، خاصة عند استخدامها مع مضادات التخثر.
• العرقسوس: يحتوي على مركب "الجليسيريزين" الذي يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم واحتباس السوائل والصوديوم، مما يزيد من عبء العمل على القلب.
• القرفة: تحتوي على مركب "السينمالدهيد"، الذي قد يسبب تهيج القلب أو ردود فعل تحسسية تؤثر على النظام القلبي.
ويزداد التهديد الصحي بسبب تلوث الأعشاب المعروضة على الأرصفة، حيث تتعرض يوميًا للغبار، الأتربة، العوادم، الملوثات الكيميائية، وحتى الأمطار الحمضية، مما يغير من تركيبها الكيميائي ويزيد من تراكم المواد السامة فيها. كما يؤدي غياب ظروف التخزين المناسبة إلى نمو الفطريات والبكتيريا، ما يجعل الأعشاب ناقلًا محتملًا لأمراض خطيرة.
وتشير الإحصائيات العالمية إلى مدى تفاقم هذا التهديد، حيث تُظهر تقديرات موقع media.market.us أن ما بين 15% إلى 20% من سكان العالم يعانون من آثار جانبية ناتجة عن استخدام الأعشاب الطبية. كما توضح التحليلات أن ما بين 30% إلى 40% من الأشخاص الذين يستخدمون الأعشاب بالتزامن مع الأدوية الموصوفة يتعرضون لتفاعلات دوائية سلبية قد تكون خطيرة.
وفي الولايات المتحدة، تقدر إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) أن المكملات العشبية مسؤولة عن حوالي 50,000 حالة سلبية سنويًا، كما ورد في pmc.ncbi.nlm.nih.gov. ويُشكل تسمم الكبد خطرًا بارزًا، إذ ترتبط نحو 20% من حالات فشل الكبد الحاد في الولايات المتحدة مباشرة باستهلاك المكملات العشبية، وفقًا لمصادر متعددة مثل PMC وWikipedia.
الأخطر من ذلك أن ما يصل إلى 80% من المنتجات العشبية المتوفرة في بعض الأسواق يُعتقد بأنها مغشوشة أو غير مصنفة بشكل صحيح، مما يعزز من احتمالات التسمم والمضاعفات، بحسب موقع media.market.us.
أما على المستوى المحلي في مصر، فقد تم توثيق حالات تسمم حادة نتيجة تناول أعشاب غير معروفة المصدر، من بينها حالة شاب يبلغ من العمر 16 عامًا تعرض لتسمم حاد بعد تناوله مادة عشبية لعلاج الطفيليات، وفق ما ورد في pubs.sciepub.com. كما كشفت دراسة أُجريت في مدينة الإسكندرية أن 26% من مستخدمي الأعشاب أبلغوا عن آثار جانبية شملت الغثيان، الإسهال، والطفح الجلدي، وذلك بحسب ما نُشر في academia.edu.
ولا تتوقف المخاطر عند هذا الحد، بل تمتد لتشمل التلوث بالمعادن الثقيلة؛ فقد أظهرت مراجعة نُشرت في cell.com أن 57.6% من المنتجات العشبية في بعض الدول تحتوي على مستويات من الرصاص تتجاوز الحدود التنظيمية. كما تم تسجيل وجود نسب مرتفعة من الزئبق والزرنيخ في بعض العينات، مما يُشكّل تهديدًا صحيًا جديًا.
وقد تم ربط بعض الأعشاب أيضًا بمضاعفات صحية حادة، مثل تلف الكبد والكلى الذي قد يؤدي إلى فشل عضوي كامل. كما تم ربط بعض المركبات العشبية مثل حمض الأرستولوكيك بزيادة خطر الإصابة بسرطان الكبد والكلى، وفقًا لما ورد في Wikipedia.
كل هذه المعطيات، سواء الإحصائية أو السريرية، تبرز الحاجة الماسة إلى التوعية الواسعة بمخاطر التناول العشوائي للأعشاب، خاصة تلك المباعة في الأسواق غير المنظمة أو عبر الإنترنت دون رقابة. فبين الفائدة المحتملة والخطر الكامن، تبقى المعرفة الطبية والرقابة الصحية هما الحصن الأساسي لحماية صحة الناس، لا سيما فيما يخص القلب والأوعية الدموية التي تتأثر بسهولة شديدة بأي تداخل دوائي أو عشبي غير محسوب. ومن الضروري التأكيد أن الأعشاب ليست بديلًا آمنًا دائمًا، بل هي علاج يتطلب إشرافًا مختصًا لضمان السلامة والوقاية من الأضرار التي قد تكون مميتة.