الخميس 12 يونيو 2025 07:20 صـ 15 ذو الحجة 1446 هـ
قضية رأي عام
رئيس مجلس الإدارة هشام ابراهيم رئيس التحرير محمد صلاح
×

إفلاس الإرهاب: سعد العولقي ووجه آخر للبراغماتية المتطرفة.. هل تتغير قواعد اللعبة؟

الثلاثاء 10 يونيو 2025 05:56 مـ 13 ذو الحجة 1446 هـ
براغماتية الإرهاب وتساؤلات حول الأجندات الكبرى
براغماتية الإرهاب وتساؤلات حول الأجندات الكبرى

إفلاس الإرهاب: سعد العولقي ووجه آخر للبراغماتية المتطرفة.. هل تتغير قواعد اللعبة؟

في تحوّل لافت يكشف عن حالة من اليأس والتخبط، أطل علينا زعيم القاعدة في جزيرة العرب، سعد العولقي، بوجهه لأول مرة عبر "مؤسسة السحاب"، ليدعو صراحة إلى عمليات إرهابية في مصر والأردن، ويحرض على اغتيال قادة عرب أبرزهم الرئيس المصري. هذا الظهور العلني، الذي يمثل خروجًا عن الأعراف التقليدية للتنظيمات الإرهابية في التخفي، ليس مجرد حدث عابر، بل هو مؤشر صارخ على حالة الإفلاس الفكري والعملياتي التي وصل إليها الإرهاب.

فلماذا قرر العولقي، في هذا التوقيت بالذات، أن يكشف عن وجهه ويصوب سهامه تحديدًا نحو مصر والأردن؟ الإجابة تكمن في محاولات يائسة لإعادة إحياء جسد تنظيم خارت قواه، وتأتي في سياق استهداف مباشر لمحور الاعتدال العربي الذي يمثل شوكة في حلق التنظيمات المتطرفة. فمصر والأردن ليستا مجرد دولتين؛ إنهما ركيزتان أساسيتان للاستقرار في المنطقة، ولهما دور محوري في قيادة الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب. استهدافهما بهذه الدعوات الإرهابية ليس سوى محاولة لزعزعة أمنهما الداخلي، وتقويض علاقاتهما الاستراتيجية، وإشاعة الفوضى التي تعد البيئة الخصبة لازدهار الإرهاب. القاعدة تدرك جيدًا أن صلابة هذين البلدين وتمسكهما بسيادتهما ووحدة شعوبهما يمثل عائقًا رئيسيًا أمام مخططاتها التخريبية.

أكذوبة تحرير القدس واستغلال القضايا المقدسة

ما يثير السخرية، ويؤكد على غباء هذا الإصدار وادعاءاته الفارغة، هو ربط العولقي "الوحدة العملياتية بين التنظيمات الرئيسية في أفريقيا" بتحرير القدس. هذه المغالطة الساذجة تكشف عن حجم الاستغلال الرخيص للقضايا المقدسة، وفي مقدمتها قضية القدس وفلسطين، لتبرير وجود هذه التنظيمات الإرهابية التي لم تقدم للقضية الفلسطينية سوى التشويه والضرر. هل يعقل أن جماعات سفكت الدماء، وهدمت الأوطان، وروعت الآمنين، تدعي فجأة أنها حامية للقدس؟ هذا التناقض الصارخ لا ينطلي إلا على عقول تائهة.

الارتباك وتشويه الحقائق: تكتيك إرهابي قديم متجدد

لعل هذا الظهور المفاجئ للعولقي يأتي في سياق محاولات التنظيم اليائسة لسد الفراغ الذي خلفته الضربات المتتالية التي استهدفت قياداته. فالتاريخ يشهد أن قادة التنظيمات الإرهابية، بمن فيهم قيادات القاعدة في جزيرة العرب، قد تساقطوا تباعاً تحت ضربات مكافحة الإرهاب، التي شملت عمليات دقيقة بطائرات بدون طيار أسفرت عن مقتل شخصيات بارزة مثل أنور العولقي عام 2011، وناصر الوحيشي عام 2015، وقاسم الريمي عام 2020. إن ظهور العولقي الحالي، وهو زعيم جديد نسبياً، يمثل محاولة لإظهار استمرارية التنظيم، ولكنه في جوهره إقرار بحالة الإفلاس القيادي التي يعاني منها بعد أن خسر معظم رموزه.

التوقيت الذي اختارته القاعدة لهذا الظهور ليس عشوائيًا؛ ففي ظل التوترات الإقليمية الراهنة، تسعى هذه التنظيمات لاستغلال أي فراغ أو ضغط لتعيد ترتيب أوراقها، وتجنيد المزيد من الأتباع الذين يعانون من تضليل فكري. الهدف الرئيسي من هذه التحركات الدعائية هو خلق حالة من الارتباك والبلبلة في ذهن الشباب والاتباع، وتصوير التنظيم كضحية للمؤامرات الخارجية لخلق "مظلومية" زائفة أمام أنصارهم ومحبيهم، في محاولة يائسة للتغطية على جرائمهم البشعة وتاريخهم الأسود من سفك الدماء والخراب.

براغماتية الإرهاب وتساؤلات حول الأجندات الكبرى

إن محاولة القاعدة في جزيرة العرب للظهور بوجه جديد، تقودنا إلى التساؤل حول أوجه التشابه مع استراتيجيات جماعات متطرفة أخرى، مثل هيئة تحرير الشام في سوريا، التي قادها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني). هذه الهيئة، التي كانت في السابق جبهة النصرة (فرع القاعدة الرسمي في سوريا)، أعلنت فك ارتباطها بالقاعدة وسيطرت على إدلب، مقدمة نفسها كسلطة أمر واقع تسعى للتخلص من تصنيف الإرهاب. الجولاني نفسه ظهر في وسائل إعلام غربية محاولًا تقديم صورة مغايرة، وقد شهدنا مؤشرات على نوع من التسامح الضمني أو التعامل البراغماتي من بعض القوى الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، مع هيئة تحرير الشام كـ"أقل الشرور" أو كقوة موازنة في منطقة معقدة.

هذه التحولات، سواء من جانب العولقي الذي يظهر بوجهه ليزعزع الاستقرار، أو من جانب الجولاني الذي يسعى "لغسل سمعته" والتكيف مع الواقع، تكشف عن استراتيجيات جديدة تجمع بين الأيديولوجيا المتطرفة المتجذرة لهذه الجماعات، والبراغماتية في التكتيكات والأهداف. والأخطر من ذلك، هو ما يدفعنا للتفكير مليًا في مدى وجود أجندات خفية تستغل هذه التنظيمات كأدوات لتحقيق مصالح معينة، بما يخدم أجندات بعض القوى التي ترغب في بقاء المنطقة في حالة دائمة من الفوضى وعدم الاستقرار، لتصوير نفسها كـ"محاربة للإرهاب" بينما هي في الحقيقة تستغله لخدمة مصالحها الجيوسياسية.

إن هذه "البراغماتية" الخطيرة تضفي شرعية زائفة على أطراف متطرفة، وتزيد من تعقيد المشهد الإقليمي. لكن وعي الشعوب العربية وتكاتفها، وإصرار دولها على المضي قدمًا في طريق التنمية والاستقرار، هو الرد الحاسم على كل هذه الدعوات الظلامية، ويفضح أي أجندات تسعى لاستغلال الإرهاب كأداة.

مستقبل المنطقة سيُكتب بأيدي أبنائها المخلصين، وليس بأيدي دعاة الكراهية والدمار، أو صانعي الفوضى.

موضوعات متعلقة