دكتور مصطفى المحمدي يكتب: فشل في القلب وموت مفاجئ وتستهدف الشباب .. إحذرو المخدرات التخليقية

المخدرات التخليقية أو الاصطناعية هي مركبات كيميائية صُممت لمحاكاة تأثيرات المواد المخدرة التقليدية مثل الحشيش، الكوكايين، الأمفيتامين، والهيروين. تُعرف هذه المواد بأسماء تجارية متنوعة مثل "سبايس" و"ك2" و"سيلفيش"، وكذلك ما يُطلق عليه "ملح الاستحمام". وقد تم تصنيعها أساسًا لتفادي القيود القانونية المفروضة على المواد المخدرة المعروفة، إلا أنها تسبب أضرارًا صحية خطيرة تفوق في كثير من الأحيان أضرار المخدرات التقليدية، خصوصًا على القلب والأوعية الدموية.
تؤثر هذه المخدرات على القلب من خلال عدة آليات مرضية معقدة. فهي تعمل على تنشيط الجهاز العصبي السمبثاوي، مما يؤدي إلى تحفيز مستقبلات الأدرينالين وزيادة معدل نبض القلب ورفع ضغط الدم بشكل ملحوظ. كما تتسبب في تضيق الأوعية الدموية نتيجة تقلص الجدران العضلية لها، مما يزيد من مقاومة تدفق الدم ويضع عبئًا كبيرًا على القلب. من جهة أخرى، قد تحدث تغيرات كهربائية في نظام القلب تؤدي إلى اضطرابات في النظم مثل الرجفان الأذيني أو التسارع البطيني، وقد تصل إلى حد توقف القلب المفاجئ. كما أن هذه المواد قد تزيد من قابلية الدم للتجلط، ما يرفع من احتمالات الإصابة بالجلطات القلبية والسكتات الدماغية.
من بين أخطر التأثيرات القلبية التي ترتبط باستخدام المخدرات التخليقية، نجد أن هذه المواد تتسبب في ارتفاع حاد ومزمن في ضغط الدم، نتيجة التحفيز المستمر للجهاز العصبي السمبثاوي. كذلك، فإنها تؤدي إلى تسارع ضربات القلب بدرجات كبيرة، حيث قد تتجاوز مئة نبضة في الدقيقة الواحدة، مما يجهد عضلة القلب بشكل مباشر. وهناك أيضًا مخاطر كبيرة لحدوث احتشاء عضلة القلب، حيث إن تضيق الأوعية الدموية المصحوب بزيادة التجلط قد يؤدي إلى نوبات قلبية مفاجئة حتى لدى الشباب الذين لا يعانون من أمراض قلبية سابقة. وتؤدي اضطرابات نظم القلب إلى اختلال في التوازن الكهربائي داخل القلب، مما قد يتسبب في فقدان الوعي أو سكتة قلبية. أما في حالات التعاطي المزمن، فقد يُصاب الشخص بتمدد في عضلة القلب أو بفشل في قدرتها على ضخ الدم بشكل كافٍ، وهي حالة تعرف باعتلال عضلة القلب أو فشل القلب. وفي بعض الحالات، يؤدي التأثير المشترك للتغيرات الكهربائية والجلطات إلى توقف القلب المفاجئ.
تشير الإحصاءات الحديثة إلى تصاعد خطير في عدد الحالات المرتبطة بهذه المواد. فوفقًا لتقرير صادر عن المركز الأمريكي لمكافحة السموم عام 2023، تم تسجيل أكثر من 35 ألف حالة تسمم بالمخدرات التخليقية في الولايات المتحدة وحدها، ونسبة كبيرة من هذه الحالات تضمنت مشكلات قلبية خطيرة. كما كشفت دراسة نُشرت في مجلة طب القلب الأوروبية عام 2022 أن ما بين 25 إلى 30% من مستخدمي هذه المخدرات يعانون من أعراض قلبية حادة، أبرزها تسارع القلب وارتفاع ضغط الدم. وفي دراسة سريرية أجريت على 150 مريضًا نُقلوا إلى المستشفى بعد تعاطي هذه المواد، تبيّن أن 15% منهم تعرضوا لنوبات قلبية مفاجئة، وأن 10% توفوا خلال الأشهر الأولى من الإصابة. وأظهرت تقارير طبية من مراكز الطوارئ أن خطر الموت القلبي المفاجئ يزيد بما يتراوح بين أربع إلى خمس مرات بين مستخدمي هذه المواد مقارنة بغيرهم.
هناك عدة عوامل تزيد من احتمالية التعرض للمضاعفات القلبية الخطيرة عند استخدام المخدرات التخليقية. من أهمها تكرار التعاطي بشكل مزمن، إذ يسرّع ذلك من تدهور وظائف القلب ويُضعف عضلته مع الوقت. كما أن وجود أمراض قلبية أو ارتفاع سابق في ضغط الدم يضاعف من خطر التعرض لنوبات قلبية أو فشل قلبي. ويزداد الخطر عند مزج هذه المواد بمركبات أخرى مثل الكحول أو المنشطات الدوائية، إذ يتضاعف تأثيرها السلبي. كذلك فإن الجرعات العالية أو استخدام منتجات رديئة الجودة تحتوي على شوائب سامة قد يؤدي إلى نتائج كارثية على القلب والجهاز الدوري.
في الختام.. ينبفي التأكيد أن المخدرات التخليقية الحديثة تمثل تهديدًا حقيقيًا لصحة القلب والأوعية الدموية. فهي تؤدي إلى مضاعفات حادة مثل ارتفاع ضغط الدم، اضطرابات في نظم القلب، نوبات قلبية مفاجئة، وقد تصل إلى حد فشل القلب والموت المفاجئ. من هنا تبرز الحاجة الملحة إلى نشر التوعية الصحية حول مخاطر هذه المواد، خصوصًا في أوساط الشباب. وينبغي على كل من يشعر بأعراض مثل ألم في الصدر، خفقان غير طبيعي، دوخة، أو ضيق في التنفس بعد تعاطي هذه المواد أن يتوجه فورًا إلى أقرب مركز طوارئ لتلقي الرعاية الطبية العاجلة.