قضية رأي عام

فاتن فتحي تكتب: التصلب اللويحي.. معركة الجسد والمناعة والمهارات التمريضية المنزلية اللازمة للتعامل معه

الإثنين 26 مايو 2025 12:32 مـ 28 ذو القعدة 1446 هـ
الدكتورة فاتن فتحي
الدكتورة فاتن فتحي

في عالم الطب، تتعدد الأمراض المزمنة التي تغير مجرى حياة الإنسان، ويعد التصلب اللويحي المتعدد (Multiple Sclerosis - MS) من أخطرها وأشدها غموضًا، فهو لا يصيب فقط الجسد، بل يمتد ليقيد الحركة، والإدراك أحيانًا، ويترك المصاب في صراع دائم مع جهازه المناعي.
ما هو التصلب اللويحي؟.. التصلب اللويحي هو مرض مناعي مزمن يصيب الجهاز العصبي المركزي، حيث يهاجم جهاز المناعة طبقة "المايلين" التي تغلف الألياف العصبية وتحميها، مما يؤدي إلى تآكل هذه الطبقة، فيتسبب ذلك في بطء أو توقف توصيل الإشارات العصبية بين الدماغ وأجزاء الجسم المختلفة.
أعراض التصلب اللويحي..أعراض المرض تختلف من شخص لآخر حسب شدة الإصابة ومكانها في الجهاز العصبي، ولكن أبرزها:(مشاكل في الرؤية (ضبابية، ازدواجية، فقدان جزئي أو كلي للبصر المؤقت، تنميل أو وخز في الأطراف، ضعف العضلات وصعوبة في الحركة، اختلال التوازن وصعوبة في المشي، الإرهاق الشديد غير المبرر، مشاكل في التركيز والذاكرة، اضطرابات المثانة والأمعاء، في الحالات المتقدمة، قد تظهر نوبات اكتئاب أو تقلبات مزاجية.
أسباب التصلب اللويحي.. لا يزال السبب الدقيق لمرض التصلب اللويحي غير معروف، لكن هناك عدة عوامل يُعتقد أنها تساهم في الإصابة:عوامل مناعية: اضطراب في الجهاز المناعي يؤدي إلى مهاجمة المايلين، الوراثة: وجود تاريخ عائلي قد يزيد من احتمالية الإصابة، البيئة: نقص فيتامين "د" والتعرض المحدود لأشعة الشمس، العوامل الفيروسية: بعض الفيروسات مثل "EBV" قد تكون مرتبطة بالمرض.
دور التمريض في رعاية مرضى التصلب اللويحي.. يعد الطاقم التمريضي عنصرًا أساسيًا في تحسين جودة حياة مرضى التصلب اللويحي، وتشمل المهارات المطلوبة لديهم:معرفة طبية دقيقة بالمرض، أنواعه، وأحدث بروتوكولات العلاج، المراقبة المستمرة للأعراض ومتابعة تقدم الحالة، دعم نفسي فعال لمساعدة المريض على التأقلم مع المرض، تثقيف المريض وعائلته بشأن استخدام الأدوية، طرق العلاج الطبيعي، والتغذية المناسبة، إدارة الأعراض المصاحبة مثل الألم، التشنجات العضلية، والقلق، تقديم الرعاية المنزلية وتعديل بيئة المنزل لجعلها أكثر أمانًا للمريض.
الرعاية المنزلية لمرضى التصلب اللويحي..الرعاية المنزلية تلعب دورًا كبيرًا في استقرار الحالة، وتشمل:الاهتمام بالعلاج الفيزيائي للمحافظة على الحركة وتقليل التيبس العضلي، مراعاة التغذية الصحية والابتعاد عن الأطعمة المسببة للالتهابات، تهيئة بيئة آمنة تمنع السقوط أو الحوادث المنزلية، الالتزام بالأدوية والمواعيد الطبية، الدعم النفسي والعائلي وتوفير بيئة مشجعة وغير محبطة، مراعاة خصوصية المريض واستقلاليته بقدر الإمكان.
يحتاج التمريض المنزلي لمريض التصلب اللويحي إلى مهارات متقدمة وفهم عميق لطبيعة المرض، الذي يتميّز بتأثيره المتفاوت على الجهاز العصبي المركزي وتسببه في أعراض متغيرة ومتقلبة مثل ضعف الحركة، صعوبات التوازن، الإرهاق، واضطرابات الرؤية أو الكلام. لذلك، يجب أن يمتلك مقدم الرعاية قدرة عالية على الملاحظة الدقيقة للتغيرات اليومية في حالة المريض، والقدرة على تقييم الأعراض وتوثيقها بشكل منتظم، مع فهم واضح لخطط العلاج الفيزيائي والدوائي التي يحددها الطبيب، لضمان الالتزام بها ومتابعة فعاليتها.
إضافة إلى المهارات التمريضية الأساسية، فإن المهارات النفسية والتواصل الفعال تُعد ضرورية للغاية، حيث يعاني المريض غالبًا من اضطرابات مزاجية كالقلق أو الاكتئاب نتيجة تطور المرض. لذا، يجب على الممرض أن يكون صبورًا، داعمًا نفسيًا، وقادرًا على تقديم الرعاية باحترام وكرامة، مع إشراك الأسرة في الخطة اليومية وتقديم الإرشادات اللازمة لهم. كما يجب أن يكون على دراية بكيفية استخدام الأجهزة المساعدة (مثل الكراسي المتحركة أو أدوات دعم الحركة)، وإتقان تقنيات نقل وتحريك المريض بأمان، للحد من خطر السقوط أو إصابات المفاصل والعضلات.
بالنهاية نؤكد على أنه رغم أن التصلب اللويحي لا يزال دون علاج شافٍ حتى الآن، فإن التشخيص المبكر، والتدخل العلاجي السليم، إضافة إلى دعم الطواقم التمريضية والأسرة، يمكن أن يحول المرض من تحدٍ يومي إلى نمط حياة يمكن التعايش معه بكرامة وثقة.